إعداد:
محمدن بن أبي بكر بن أبا الأنصاري
مونتاج:
عمر بن عبد الله بن محمد بن حمد اكنن الأنصاري
إشراف:
عبدالقادر بن عبد العزيز بن محمد الأنصاري
-------------------------------
الجهود التعليمية في بلادنا
يعتمد التعليم في كل منطقة من مناطق (أزواد)
_ قديما وحديثا _ علی جهود أبنائها، واهتم علماؤنا بالتعليم منذ القدم، وأولوه بالغ
اهتمامهم، ومنحوه أهم أوقاتهم، وصرفوا عليه كرائم أموالهم، وأشرفوا عليه بأنفسهم، ونشأت
في بلادنا عدة معاهد ومدارس ومحاضر وكتاتيب، اشتهرت وذاع صيتها وتوافد الدارسون إليها
من كل صوب، ينهلون من معينها الصافي، ويتزودون منها بالمعرفة، ومن النماذج التعليمية
الناجحة في بلاد الأنصار التمبكتيين -كل انتصر- مدرسة الفلاح الأنصارية بإيبنغ؛ باعتبارها
إحدى المدارس الأهلية القليلة، التي صمدت شامخة في مناخ الصحراء القاسي، تخرج أجيالا
متعاقبة من العباقرة الموهوبين، منذ تأسيسها إلی اليوم، متمسكة بالأمل، خلال رحلة شعب
(أزواد) الطويلة مع المحن والمعاناة، وصراعه المرير مع الفقر والجهل والحروب، وسنوات
الجدب العجاف، والاستعمار والتنصير.
قرية (إيبنغ) وموقعها الجغرافي
(إيبنغ) قرية تابعة لبلدية (زرهو) تبعد
عنها حوالي 5 كلم شمالا، وهي منطقة ساحلية من مناطق الأنصار التمبكتيين -كل انتصر-
التابعة لولاية (تمبكتو)، وتبعد عنها حوالي 170 كلم شرقا، والقرية تتوسط الطريق البري
الوعر الذي يربط بين ولايتي (قاوا) و (تمبكتو).
وكانت قناة (إيبنغ) إحدى قنواتِ النهر المغذية
لروافده الشمالية، المتدفقة بتيار المد شتاء كل عام، حتى حبست السدودُ كسد (مركلا)
80% من مياه (أزواد)، حيث جفت مئات الهكتارات من المناطق الساحلية الخصبة، وتحولت إلى
فلواتٍ جرداء، بعد أن كانت أنهارًا جارية، تحفها غابات تعج بكل أشكال الحياة الفطرية؛
ثم تضاعفت المأساة بعد قحط عام 1973م وقحط عام 1984م؛ حيث أمحلت البلاد فكُتب الشقاءُ
على أهلها من البدو الرحل والريفيين، واضطرَّ عددٌ كبيرٌ منهم للهجرة بحثًا عن حياة
كريمة، واتجه الباقون للتمدن والاستقرار، فأنشأوا عدة بلدات وقرى ومخيمات ريفية ساحلية،
على امتداد سواحلهم التي كانوا يتخذونها مصايف للاستجمام في عصر ازدهار سلطنة الأنصار
التمبكتيين، ومن تلك القرى الناشئة حينها قرية (إيبنغ) التي اتخذت شكل القرية عام
1985م.
فترة الاستقرار والازدهار
هرعت بعض المنظمات الإنسانية للمنطقة واعتبرتها
منطقة منكوبة فتم تزويدها بالخبرات والآلات اللازمة لتنميتها؛ حيث أخضعت الآبار القديمة
للصيانة؛ فجُصِّصتْ ورُمِّمَت، وحُفرت آبار أخرى، وبُنيت أحواضٌ وخزان لتخزين الماء،
وشقت قنوات لتوزيعها، وصممت (طاحونتان هوائيتان)، تحرِّكُمها الرياحُ فتسْحب الماءَ؛
فيتدفق للخزان ثم للأحواض، ويتنقَّل بين القنوات؛ فيشربُ الواردُون، ويزرع الزارعون،
ويتزوّد المسافرون بالماء.
ثم بنيت مخازن للمواد الغذائية المختلفة،
وشيّد مستوصف يضم صيدلية لتخزين الأدوية، وقسما للتمريض، وعيّن أطبَّاء لمعالجةِ المرضى؛
وأرسل بعض رجال المنطقة للتدرب على بعض المهن المهمة، كالتمريض وبناء المنازل الشعبية،
والهندسة الزراعية، واستخدام وصيانة المعدات؛ كما دعمت بعض الأنشطة النسائية، كالتدريب
على النسج والخياطة والتطريز، وبعض المهارات المهمة.
انتعشت القريةُ وتسابق سكانها في بناء المنازل
الطينية للسكن والاستقرار، واكتظت بالسكان وبلغ عدد العوائل المستقرة أكثر من 200 عائلة،
إضافة لما تستضيفه من عوائل الرعاة الرحل المعتمدين على أسلوب عيشهم القديم.
عاد كثيرٌ من المهاجرين للمنطقة بعد هذا
التحوُّل الطارئ عليها، وكثُر الخيرُ وازدهر الاقتصاد، واطمأنَّ الناسُ وهدأت نُفوسُهم،
وتعدَّدَت المشاريعُ الجماعية في كل القرى وتنوعت؛ كحفر الآبار وبناء المساجد والمدارس
وإقامة السدود، وإنشاء مزارع الأرز، وبساتين الخضروات وغيرها، واستطاع أكثرهُم أن يبني
لنفسه دارًا ويستغني عن الخيام، بينما حاول البعضُ الجمعَ بين البادية والتمدُّن، تَمسُّكًا
بعراقة الماضي وإيمانًا بالواقع الجديد.
تأسيس مدرسة الفلاح
أسس مدرسةَ الفلاح مديرُها الشيخُ عمر بن
عبد القادر الأنصاري، ووكيلُها الشيخُ يحيی بن محمد الأنصاري رحمة الله عليهما، بدعم
الأهالي وعلماء وأعيان المنطقة عام 1985م، وتطوع للتدريس فيها فريق من مشايخ وفقهاء
وعلماء الأنصار التمبكتيين المثابرين، رحم الله الأموات وحفظ الأحياء، وجزاهم الله
عن المنطقة والإسلام والمسلمين خير الجزاء.
وكانت المدرسة بقسميها (النهارية - الليلية)
نموذجا حقيقيا للمدرسة النظامية من كل النواحي فصولا ومنهجا ونظاما، أما طلابها فهم
كل من يحلم بالدراسة، من أبناء المنطقة، ذكورا وإناثا، وصغارا وكبارا.
الشباب وصغار الطلاب يدرسون في القسم النهاري
متوزعين بين الفصول، بداية من التمهيدي المخصص لمحو الأمية مرورا بالأول إلی السادس
الابتدائي، بينما يدرس الكبار في القسم الليلي، ولم تمض سنتان من تأسيسها حتی تحولت
إلی معهد تربوي تعليمي، لتكوين الدعاة والأئمة والمعلمين، وعاشت المنطقة نهضة تعليمية
مشهودة، واستطاعت (مدرسة الفلاح) احتلال المركز الأول علی رأس قائمة أرقی معاهد اللغة
العربية علی مستوی منطقة تمبكتو حينها؛ وذلك بعد الدخول في منافسة شريفة علی لقب أفضل
تعليم عربي في البلاد حينها.
تجدد الاضطرابات والهجرات
تتكرر مأساة شعب أزواد المغلوب على أمره
من حين لآخر، بسبب الجفاف والتصحر وانعدام الأمن، وتجدد الصراعات بين الحركات الأزوادية
والحكومة المالية؛ وانهيار السلم الأهلي، مما يؤدي للهجرات الجماعية، بحثًا عن مكان
أفضل تُتاح فيه للإنسان أبسطُ سُبُلِ العيش؛ وهذا هو ما حصل تماما حينها، ففي تلك اللحظات
الهادئة، التي تنفس فيها أهلنا الصعداء، واتخذت حضارتهم أفضل أشكالها، وبدت كأحسن ما
تكون، تنظيما ونشاطا ونموا وازدهارا، وبناء عمرانيا وتعليما وسياسة وإدارة؛ اندلعت
شرارة الثورة مجددا، فأعقبتها تصفيات عرقية، نفذتها عصابات (قُوندي كيُو) التي شكلها
(أتي تي)؛ لإبادة العرب والطوارق؛ فنكلت بهم ولم ينج إلا من نجى بجلده هاربا من الهلاك،
وانتشرت رائحة الموت، وأصيب المدنيون العزل بهلع ورعب شديد، وتكررت المأساة مرة أخرى
بعد قحط عام 1973م المدمر، ثم القحط الثاني عام 1984م؛ وتضاعفت المعاناة بانقطاع دعم
المنظمات التنصرية الداعمة للمشاريع الإنسانية في المنطقة، حيث تعللت بانعدام الأمن؛
فرحلت بلا رجعة تجر أذيال الخيبة؛ بسبب انحسار المد التنصيري أمام النهضة العلمية في
بلادنا، وانهزام المنصرين أمام علمائنا، المدعومين من المجتمع المحلي المحافظ؛ فهاجر
أهل المنطقة مرة أخرى، ونزحت كل مجموعة إلى أقرب حدود منهم، شرقا نحو النيجير، وغربا
نحو موريتانيا، وجنوبا نحو بوركينا فاسو، وشمالا نحو الجزائر وليبيا؛ وهامَ الناسُ
على وجوههم؛ وبقي أقل من ثلث السكان متفرقين في البوادي.
ظلّت مدرسة الفلاح صامدة تواصلُ الكفاح،
تصارع مناخ الصحراء القاسي، وتتحدی عدو البلاد الأول بعد الفقر والأمراض والاستعمار
والتنصير والحروب والتمييز وهو الجهل، إلا أنها لم تعد قادرة على العطاء كما كانت،
بعد أن تتابعت الهزات، وتلاحقت المحن والآلام، خاصة بعد رحيل مؤسسيها، وبعض أهم رعاتها،
وقد تعرضت لاختبار صعب فيما بين عام 1990 إلى عام 2016م، وكادت تصبح أثرا بعد عين،
لولا فضل الله ورحمته، ثم صراع نبلاء الأنصار من أجل البقاء، وإصرارهم على حماية وعمارة
وطنهم، ومحاربة الجهل، وقد واصلت مدرسة الفلاح عطاءها تحت ظلال الأشجار والخيام والأكواخ
البالية، بعد أن أجبرت على الانشطار والانقسام والتنقل بين المناطق المتباعدة والقری
والأرياف والبوادي، حيث تفرعت عنها عدة فروع منها:
1_ فرع (إيم إين أغاتا) وهو مكون من 4 مستويات،
من الفصل الأول إلی الرابع الابتدائي؛ وعدد المعلمين 4 غالبا، وتتلقی دعما قليلا من
وزارة التعليم بمالي.
2_ فروع (زرهو - إيبنغ - آتلك) وهي: عبارة
عن كتاتيب ومحاضر علمية متعددة؛ لمحو الأمية وتعليم القراءة والكتابة، والقرآن الكريم
والسنة النبوية، والفقه والعربية، وغيرها من العلوم، وهذه الفروع تعمل بجهود فردية،
تحت إشراف بعض مشايخ المنطقة، بدعم من أهل الخير، جزاهم الله خيرا.
إعادة تأسيس المدرسة على قواعدها الأولى
وتطويرها:
اتفق نخبة من طلاب مدرسة الفلاح في (السعودية
- ليبيا - الجزائر) ومن يدعمهم في الوطن من الأهالي والمشايخ والطلاب، وقرروا إعادة
تأسيس المدرسة على قواعدها الأولى وتطويرها، وإضافة المرحلة الاعدادية للابتدائية،
عام 2016م.
انطلقت الدراسة في مسجد القرية، لعدم وجود
فصول حينها، بينما شرع المؤسسون في بناء الفصول بتدرج، بمجهودات ذاتية متواضعة، بمعدل
غرفتين كل عام تقريبا.
وبعد اكتمال المرحلة الأولى من البناء،
نقلت المدرسة من المسجد إلى مقرها الجديد، المكون من: (الإدارة - ستتة فصول - دورات
مياه)، وتم تسويرها بسلك شائك، على نفقة بعض المحسنين، وذلك لحمايتها من الحيوانات،
وأضيف القسم الاعدادي لأوراق الاعتماد، لدى الجهات الرسمية، وفتح لها حساب بنكي، وعين
لقسميها مدير واحد و11 معلما، يتقاضون مكافأة قليلة، ثم عينت لإداراة الموارد، لجنة
متطوعة مستقلة عن الإدارة، مكونة من أمين الصندوق وأربعة أعضاء ومشرف عام، ومن مهام
هذه اللجنة: (صرف المكافآت - الصيانة - توفير المستلزمات الأساسية للمدرسة، كالأدوات
الإدارية) ونحو ذلك.
وقد نظمت المدرسة دورة تدريبية لمنسوبيها في أسلوب
التدريس عام 2018م، وانطلقت انطلاقة جديدة مشرفة جدا
وبلغ عدد طلاب المدرسة في المرحلتين الابتدائية و الاعدادية بين
عام 2016م إلى عام 2019م أكثر من (مئتي
200 طالب)
وذلك على النحو التالي:
الصف الأول الابتدائي 54 طالبا
الثاني الإبتدائي 49 طالبا
الثالث الإبتدائي 30 طالبًا
الرابع 18طالبا
الخامس الإبتدائي 28 طالبا
السادس 10 طلاب
السابع 7 طلاب
الثامن 15 طالبًا
وقد تخرجت الدفعة الأولى من طلاب المدرسة
عام 2019م بتفوق، وعددهم 12 طالبًا.
وتم تزويد المدرسة بالمقررات الدراسية عن
طريق المحسنين في المملكة العربية السعودية، والذين تكفلوا أيضا بأجرة نقلها إلى دولة
النيجر جزاهم الله خيرا، وتولى أبناء المنطقة نقلها من نيامي إلى مقر المدرسة على نفقتهم
الخاصة، وتم تزويد جميع طلاب المدرسة في المرحلتين الابتدائية والإعدادية بالكتب المدرسية
يوم 1 أكتوبر للعام الدراسي 2020 - 2019م بحمد
الله.
وبما أن القرية باتت تعتمد على الطريقة
القديمة للسقاية والري وهي (سحب الماء من الآبار بالدلو والحبل والبكرة) بعد انهيار
خزانها الأول وملحقاته، فقد شكل ذلك تحديا كبيرا للسكان وطلاب وأساتذة المدرسة والمشرفين
عليها، لذا قرروا إنشاء مشروع آخر لتزويد القرية بالماء، وقد تضافرت جهودهم حتى بني
خران حديدي، تمده بالماء مضخة تعمل بالطاقة الشمسية، وتم تزويد المدرسة وعدد كبير من
منازل القرية، بمياه الشرب، بحمد الله وتوفيقه.
الاحتياجات الأساسية للمدرسة حاليا:
1- الدعم في توفير مكافآت المعلمين.
2- الدعم لبناء ثلاثة فصول لتكملة المرحلتين
الابتدائية والإعدادية.
3- بناء خزان آخر في الجهة الشمالية للقرية،
لاستيفاء حاجة الأهالي وحيواناتهم من ماء الشرب.
4- الدعم في مشروع زرع الأشجار في محيط
المدرسة على امتداد السور الحالي لتقويته، وتوفير الظلال.
والله تعالى نسأل التوفيق والسداد، ومنه
نستمد العون.